الأربعاء، 29 يونيو 2016

من أجمل ما قرأت للشاعرة /نازك الملائكة



من أجمل ما قرأت للشاعرة  /نازك الملائكة

خمس أغان للألم

مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ 

ساقي مآقينا كؤوسَ الأرَقْ 

نحنُ وجدناهُ على دَرْبنا 

ذاتَ صباحٍ مَطِيرْ 

ونحنُ أعطيناهُ من حُبّنا 

رَبْتَةَ إشفاقٍ وركنًا صغيرْ 

ينبِضُ في قلبنا 

** 

فلم يَعُد يتركُنا أو يغيبْ 

عن دَرْبنا مَرّهْ 

يتبعُنا ملءَ الوجودِ الرحيبْ 

يا ليتَنا لم نَسقِهِ قَطْرهْ 

ذاكَ الصَّباحَ الكئيبْ 

مُهْدي ليالينا الأسَى والحُرَقْ 

ساقي مآقينا كؤوس الأرَقْ 



مِن أينَ يأتينا الأَلمْ? 

من أَينَ يأتينا? 

آخَى رؤانا من قِدَمْ 

ورَعى قوافينا 

** 

أمسِ اصْطحبناهُ إلى لُجج المياهْ 

وهناكَ كسّرناه بدّدْناهُ في موج البُحَيرهْ 

لم نُبْقِ منه آهةً لم نُبْقِ عَبْرهْ 

ولقد حَسِبْنا أنّنا عُدْنا بمنجًى من أذَاهْ 

ما عاد يُلْقي الحُزْنَ في بَسَماتنا 

أو يخْبئ الغُصَصَ المريرةَ خلف أغنيَّاتِنا 

** 

ثم استلمنا وردةً حمراءَ دافئةَ العبيرْ 

أحبابُنا بعثوا بها عبْرَ البحارْ 

ماذا توقّعناهُ فيها? غبطةٌ ورِضًا قريرْ 

لكنّها انتفضَتْ وسالتْ أدمعًا عطْشى حِرَارْ 

وسَقَتْ أصابعَنا الحزيناتِ النَّغَمْ 

إنّا نحبّك يا ألمْ 

** 

من أينَ يأتينا الألم? 

من أين يأتينا? 

آخى رؤانا من قِدَمْ 

ورَعَى قوافينا 

إنّا له عَطَشٌ وفَمْ 

يحيا ويَسْقينا 



أليسَ في إمكاننا أن نَغْلِبَ الألمْ? 

نُرْجِئْهُ إلى صباحٍ قادمٍ? أو أمْسِيهْ 

نشغُلُهُ? نُقْنعهُ بلعبةٍ? بأغنيهْ? 

بقصّةٍ قديمةٍ منسيّةِ النَّغَمْ? 

** 

ومَن عَسَاهُ أن يكون ذلك الألمْ? 

طفلٌ صغيرٌ ناعمٌ مُستْفهِم العيونْ 

تسْكته تهويدةٌ ورَبْتَةٌ حَنونْ 

وإن تبسّمنا وغنّينا له يَنَمْ 

** 

يا أصبعًا أهدى لنا الدموع والنَّدَمْ 

مَن غيرهُ أغلقَ في وجه أسانا قلبَهُ 

ثم أتانا باكيًا يسألُ أن نُحبّهُ? 

ومن سواهُ وزّعَ الجراحَ وابتسَمْ? 

** 

هذا الصغيرُ... إنّه أبرَأ مَنْ ظَلَمْ 

عدوّنا المحبّ أو صديقنا اللدودْ 

يا طَعْنةً تريدُ أن نمنحَها خُدودْ 

دون اختلاجٍ عاتبٍ ودونما ألمْ 

** 

يا طفلَنا الصغيرَ سَامحْنا يدًا وفَمْ 

تحفِرُ في عُيوننا معابرًا للأدمعِ 

وتَسْتَثيرُ جُرْحَنا في موضعٍ وموضعِ 

إنّا غَفَرْنا الذنبَ والإيذاء من قِدَمْ 



كيف ننسىَ الألَمْ 

كيف ننساهُ? 

من يُضيءُ لنا 

ليلَ ذكراهُ? 

سوف نشربُهُ سوف نأكلُهُ 

وسنقفو شُرودَ خُطَاه 

وإذا نِمنا كان هيكلُهُ 

هو آخرَ شيءٍ نَرَاهْ 

** 

وملامحُهُ هي أوّلَ ما 

سوف نُبْصرُهُ في الصباحْ 

وسنحملُهُ مَعَنا حيثُما 

حملتنا المُنى والجراحْ 

** 

سنُبيحُ له أن يُقيم السُّدودْ 

بين أشواقنا والقَمَرْ 

بين حُرْقتنا وغديرٍ بَرُودْ 

بين أعيننا والنَّظَرْ 

** 

وسنسمح أن يَنْشُر البَلْوى 

والأسَى في مآقينا 

وسنُؤْويه في ثِنْيةٍ نَشْوَى 

من ضلوع أغانينا 

** 

وأخيرًا ستجرفُهُ الوديانْ 

ويوسّدُهُ الصُّبَّيْر 

وسيهبِطُ واديَنَا النسيان 

يا أسانا, مساءَ الخَيْرْ! 

** 

سوف ننسى الألم 

سوف ننساهُ 

إنّنا بالرضا 

قد سقيناهُ 



نحن توّجناكَ في تهويمةِ الفجْرِ إلهَا 

وعلى مذبحكَ الفضيّ مرّغْنَا الجِبَاهَا 

يا هَوانا يا ألَمْ 

ومن الكَتّانِ والسِّمْسِمِ أحرقنا بخورَا 

ثمّ قَدّمْنا القرابينَ ورتّلْنَا سُطورَا 

بابليَّاتِ النَّغَمْ 

** 

نحنُ شَيّدنا لكَ المعبَدَ جُدرانًا شَذيّهْ 

ورَششنا أرضَهُ بالزَّيتِ والخمرِ النَّقيَّهْ 

والدموع المُحرِقهْ 

نحن أشعلنا لكَ النيرانَ من سَعف النخيلِ 

وأسانا وَهشيم القمح في ليلٍ طويلِ 

بشفاهٍ مُطْبَقَهْ 

** 

نحنُ رتّلْنَا ونادَيْنا وقدّمْنا النذورْ: 

بَلَحٌ من بابلِ السَّكْرَى وخُبْزٌ وخمورْ 

وورودٌ فَرِحَهْ 

ثمّ صلّينا لعينيك وقرّبنا ضحيّهْ 

وجَمَعْنا قطَراتِ الأدمُعِ الحرّى السخيّهْ 

وَصنَعْنا مَسْبَحَهْ 

** 

أنتَ يا مَنْ كفُّهُ أعطتْ لحونًا وأغاني 

يا دموعًا تمنحُ الحكمةَ, يا نبْعَ معانِ 

يا ثَرَاءً وخُصوبَهْ 

يا حنانًا قاسيًا يا نقمةً تقطُرُ رحْمَه 

نحنُ خبّأناكَ في أحلامنا في كلّ نغْمهْ 

من أغانينا الكئيبهْ



أغنية حب للكلمات 

فيمَ نخشَى الكلماتْ 

وهي أحيانًا أكُُفٌّ من ورودِ 

بارداتِ العِطْرِ مرّتْ عذْبةً فوق خدودِ 

وهي أحيانًا كؤوسٌ من رحيقٍ مُنْعِشِ 

رشَفَتْها, ذاتَ صيفٍ, شَفةٌ في عَطَشِ? 

** 

فيم نخشى الكلماتْ? 

إنّ منها كلماتٍ هي أجراسٌ خفيّهْ 

رَجعُها يُعلِن من أعمارنا المنفعلاتْ 

فترةً مسحورةَ الفجرِ سخيّهْ 

قَطَرَتْ حسّا وحبًّا وحياةْ 

فلماذا نحنُ نخشى الكلماتْ? 

** 

نحنُ لُذْنا بالسكونِ 

وصمتنا, لم نشأ أن تكشف السرَّ الشِّفاهُ 

وحَسِبنا أنّ في الألفاظ غولاً لا نراهُ 

قابعًا تُخْبئُهُ الأحرُفُ عن سَمْع القرونِ 

نحنُ كبّلنا الحروف الظامئهْ 

لم نَدَعْها تفرشُ الليلَ لنا 

مِسْندًا يقطُرُ موسيقَى وعِطْرًا ومُنَى 

وكؤوسًا دافئهْ 

** 

فيم نخشى الكلماتْ? 

إنها بابُ هَوًى خلفيّةٌ ينْفُذُ منها 

غَدُنا المُبهَمُ فلنرفعْ ستارَ الصمتِ عنها 

إنها نافذةٌ ضوئيّةٌ منها يُطِلّ 

ما كتمناهُ وغلّفناهُ في أعماقنا 

مِن أمانينا ومن أشواقنا 

فمتى يكتشفُ الصمتُ المملُّ 

أنّنا عُدْنا نُحبّ الكلماتْ? 

** 

ولماذا نحن نخشَى الكلماتْ 

الصديقاتِ التي تأتي إلينا 

من مَدَى أعماقنا دافئةَ الأحرُفِ ثَرّهْ? 

إنها تَفجؤنا, في غَفْلةٍ من شفتينا 

وتغنّينا فتنثالُ علينا ألفُ فكرهْ 

من حياةٍ خِصْبة الآفاقِ نَضْرهْ 

رَقَدَتْ فينا ولم تَدْرِ الحياةْ 

وغدًا تُلْقي بها بين يدينا 

الصديقاتُ الحريصاتُ علينا, الكلماتْ 

فلماذا لا نحبّ الكلماتْ? 

** 

فيمَ نخشى الكلماتْ? 

إنّ منها كلماتٍ مُخْمليات العُذوبَهْ 

قَبَسَتْ أحرفُها دِفْءَ المُنى من شَفَتين 

إنّ منها أُخَرًا جَذْلى طَروبهْ 

عَبرَت ورديّةَ الأفراح سَكْرى المُقْلتين 

كَلِماتٌ شاعريّاتٌ, طريّهْ 

أقبلتْ تلمُسُ خَدّينا, حروفُ 

نامَ في أصدائها لونٌ غنيّ وحفيفُ 

وحماساتٌ وأشواقٌ خفيّهْ 

** 

فيمَ نخشى الكلماتْ? 

إن تكنْ أشواكها بالأمسِ يومًا جرَحتْنا 

فلقد لفّتْ ذراعَيْها على أعناقنا 

وأراقتْ عِطْرَها الحُلوَ على أشواقنا 

إن تكن أحرفُها قد وَخَزَتْنا 

وَلَوَتْ أعناقَها عنّا ولم تَعْطِفْ علينا 

فلكم أبقت وعودًا في يَدَينا 

وغدًا تغمُرُنا عِطْرًا ووردًا وحياةْ 

آهِ فاملأ كأسَتيْنا كلِماتْ 

** 

في غدٍ نبني لنا عُشّ رؤًى من كلماتْ 

سامقًا يعترش اللبلابُ في أحرُفِهِ 

سنُذيبُ الشِّعْرَ في زُخْرُفِهِ 

وسنَرْوي زهرَهُ بالكلماتْ 

وسنَبْني شُرْفةً للعطْرِ والوردِ الخجولِ 

ولها أعمدةٌ من كلماتْ 

وممرًّا باردًا يسْبَحُ في ظلٍّ ظليلِ 

حَرَسَتْهُ الكلماتْ 

** 

عُمْرُنا نحنُ نذرناهُ صلاةْ 

فلمن سوف نصلّيها... لغير الكلماتْ?





غرباء

أطفئ الشمعةَ واتركنا غريبَيْنِ هنا 

نحنُ جُزءانِ من الليلِ فما معنى السنا? 

يسقطُ الضوءُ على وهمينِ في جَفنِ المساءْ 

يسقطُ الضوءُ على بعضِ شظايا من رجاءْ 

سُمّيتْ نحنُ وأدعوها أنا: 

مللاً. نحن هنا مثلُ الضياءْ 

غُربَاءْ 

اللقاء الباهتُ الباردُ كاليومِ المطيرِ 

كان قتلاً لأناشيدي وقبرًا لشعوري 

دقّتِ الساعةُ في الظلمةِ تسعًا ثم عشرا 

وأنا من ألمي أُصغي وأُحصي. كنت حَيرى 

أسألُ الساعةَ ما جَدْوى حبوري 

إن نكن نقضي الأماسي, أنتَ أَدْرى, 

غرباءْ 

مرّتِ الساعاتُ كالماضي يُغشّيها الذُّبولُ 

كالغدِ المجهولِ لا أدري أفجرٌ أم أصيلُ 

مرّتِ الساعاتُ والصمتُ كأجواءِ الشتاءِ 

خلتُهُ يخنق أنفاسي ويطغى في دمائي 

خلتهُ يَنبِسُ في نفسي يقولُ 

أنتما تحت أعاصيرِ المساءِ 

غرباءْ 

أطفئ الشمعةَ فالرُّوحانِ في ليلٍ كثيفِ 

يسقطُ النورُ على وجهينِ في لون الخريف 

أو لا تُبْصرُ? عينانا ذبولٌ وبرودٌ 

أوَلا تسمعُ? قلبانا انطفاءٌ وخمودُ 

صمتنا أصداءُ إنذارٍ مخيفِ 

ساخرٌ من أننا سوفَ نعودُ 

غرباءْ 

نحن من جاء بنا اليومَ? ومن أين بدأنا? 

لم يكنْ يَعرفُنا الأمسُ رفيقين.. فدَعنا 

نطفرُ الذكرى كأن لم تكُ يومًا من صِبانا 

بعضُ حبٍّ نزقٍ طافَ بنا ثم سلانا 

آهِ لو نحنُ رَجَعنا حيثُ كنا 

قبلَ أن نَفنَى وما زلنا كلانا 

غُرباءْ




مرثية يوم تافه

لاحتِ الظلمةُ في الأفْق السحيقِ 

وانتهى اليومُ الغريبُ 

ومضت أصداؤه نحو كهوفِ الذكرياتِ 

وغدًا تمضي كما كانت حياتي 

شفةٌ ظمأى وكوبُ 

عكست أعماقُهُ لونَ الرحيقِ 

وإِذا ما لمستْهُ شفتايا 

لم تجدْ من لذّةِ الذكرى بقايا 

لم تجد حتى بقايا 

انتهى اليومُ الغريبُ 

انتهى وانتحبتْ حتى الذنوبُ 

وبكتْ حتى حماقاتي التي سمّيتُها 

ذكرياتي 

انتهى لم يبقَ في كفّيّ منه 

غيرُ ذكرى نَغَم يصرُخُ في أعماق ذاتي 

راثيًا كفّي التي أفرغتُها 

من حياتي, وادّكاراتي, ويومٍ من شبابي 

ضاعَ في وادي السرابِ 

في الضباب 

كان يومًا من حياتي 

ضائعًا ألقيتُهُ دون اضطرابِ 

فوق أشلاء شبابي 

عند تلِّ الذكرياتِ 

فوق آلافٍ من الساعاتِ تاهت في الضَّبابِ 

في مَتاهاتِ الليالي الغابراتِ 

كان يومًا تافهًا. كان غريبًا 

أن تَدُقَّ الساعةُ الكَسْلى وتُحصي لَحظاتي 

إنه لم يكُ يومًا من حياتي 

إنه قد كان تحقيقًا رهيبا 

لبقايا لعنةِ الذكرى التي مزقتُها 

هي والكأسُ التي حطّمتها 

عند قبرِ الأمل الميِّتِ, خلفَ السنواتِ, 

خلف ذاتي 

كان يومًا تافهًا.. حتى المساءِ 

مرت الساعاتُ في شِبْهِ بكاءِ 

كلُّها حتى المساءِ 

عندما أيقظَ سمعي صوتُهُ 

صوتُهُ الحُلْوُ الذي ضيّعتُه 

عندما أحدقتِ الظلمةُ بالأفْقِ الرهيبِ 

وامّحتْ حتى بقايا ألمي, حتى ذنوبي 

وامّحى صوتُ حبيبي 

حملت أصداءه كفُّ الغروبِ 

لمكانٍ غابَ عن أعينِ قلبي 

غابَ لم تبقَ سوى الذكرى وحبّي 

وصدى يومٍ غريبِ 

كشحوبي 

عبثًا أضرَعُ أن يُرجِعَ لي صوتَ حبيبي




أنــا

الليلُ يسألُ من أنا 

أنا سرُّهُ القلقُ العميقُ الأسودُ 

أنا صمتُهُ المتمرِّدُ 

قنّعتُ كنهي بالسكونْ 

ولفقتُ قلبي بالظنونْ 

وبقيتُ ساهمةً هنا 

أرنو وتسألني القرونْ 

أنا من أكون? 

والريحُ تسأل من أنا 

أنا روحُها الحيران أنكرني الزمانْ 

أنا مثلها في لا مكان 

نبقى نسيرُ ولا انتهاءْ 

نبقى نمرُّ ولا بقاءْ 

فإذا بلغنا المُنْحَنى 

خلناهُ خاتمةَ الشقاءْ 

فإِذا فضاءْ! 

والدهرُ يسألُ من أنا 

أنا مثلهُ جبّارةٌ أطوي عُصورْ 

وأعودُ أمنحُها النشورْ 

أنا أخلقُ الماضي البعيدْ 

من فتنةِ الأمل الرغيدْ 

وأعودُ أدفنُهُ أنا 

لأصوغَ لي أمسًا جديدْ 

غَدُهُ جليد 

والذاتُ تسألُ من أنا 

أنا مثلها حيرَى أحدّقُ في ظلام 

لا شيءَ يمنحُني السلامْ 

أبقى أسائلُ والجوابْ 

سيظَل يحجُبُه سراب 

وأظلّ أحسبُهُ دنا 

فإذا وصلتُ إليه ذابْ 

وخبا وغابْ





خرافات

قالوا الحياة 

هي لونُ عينَيْ ميّتِ 

هي وقعُ خَطو القاتلِ المتلفّتِ 

أيامُها المتجعداتْ 

كالمعطفِ المسموم ينضَحُ بالمماتْ 

أحلامُها بَسَماتُ سعْلاةٍ مخدِّرةِ العيونْ 

ووراءَ بسمتِها المَنُونْ 

قالوا الأملْ 

هو حَسرةُ الظمآنِ حينَ يرى الكؤوسْ 

في صورةٍ فوق الجدارْ 

هو ذلكَ اللونُ العَبُوسْ 

في وجه عُصْفورٍ تَحطّمَ عُشُّهُ فبكى وطارْ 

وأقام ينتظرُ الصباحَ لعلَّ مُعجزةً تُعيدْ 

أنقاضَ مأواهُ المخرَّبِ من جديدْ 

قالوا النعيمْ 

وبحثتُ عنه في العيونِ الغائراتْ 

في قصّةِ البؤسِ التي كُتبتْ على بعض الوجوهْ 

في الدهْرِ تأكلُهُ سنوهْ 

في الزهرِ يرصُدُ عِطرَهُ شَبحُ الذبولْ 

في نجمةٍ حسناءَ يرصُدُها الأفولْ 

قالوا النعيمُ ولم أجدْهُ فهل طَوى غدَهُ وماتْ? 

قالوا السكونْ 

أسطورةٌ حمقاءُ جاء بها جَمَادْ 

يُصغي بأذنيه ويتركُ روحَه تحت الرَّمادْ 

لم يسمعِ الصَّرَخاتِ يُرْسلُها السياجْ, 

وقصائصُ الورقِ الممزَّق في الخرائبِ, والغبارْ, ومقاعدُ الغُرَفِ القديمة, والزُّجَاجْ, 

غطّاهُ نَسْجُ العنكبوت, ومعطفٌ فوق الجدارْ 

قالوا الشباب 

وسألتُ عنه فحدثوني عن سنينْ 

تأتي فينقشعُ الضَّبَابْ 

وتحدثوا عن جنّةٍ خلف السَّرَابْ 

وتحدثوا عن واحةٍ للمتعَبينْ 

وبلغتُها فوجدتُ أحلامَ الغَدِ 

مصلوبةً عند الرِّتاج الموصَدِ 

قالوا الخلودْ 

ووجدتُهُ ظلا تمطَّى في بُرُودْ 

فوق المدافنِ حيثُ تنكمشُ الحياهْ 

ووجدتُهُ لفظًا على بعض الشفاهْ 

غنّته وهي تنوحُ ماضيها وتُنزلُهُ اللحودْ 

غنّتْهُ وهي تموتُ... يا لَلازدراء! 

قالوا الخلودُ, ولم أجدْ إلاَّ الفناءْ 

قالوا القلوبْ 

ووجدتُ أبوابًا تؤدي في اختناقْ 

لمقابرٍ دُفِن الشعورُ بها وماتَ غدُ الخيالْ 

جُدرانُها اللزِجاتُ تبتلعُ الجَمَالْ 

وتمجُّ قبحًا لا يُطاقْ 

وهربتُ شاحبةً أتلك إذنْ قلوبْ? 

يا خيبةَ الأحلامِ. إني لن أؤوبْ 

قالوا العيونْ 

ووجدتُ أجفانًا وليس لها بَصَرْ 

وعَرَفْتُ أهدابًا شُدِدْن إلى حَجَرْ 

وخبرتُ أقباءً ملفّعةً بأستار الظنونْ 

عمياءَ عن غير الشُّرور وإن تكن تُدعى عيونْ 

وعرفتُ آلافًا وأعينُهم صفائحُ من زجاجْ 

زرقاءُ في لون السماء, وخلف زرقتها دَياجْ 

قالوا وقالوا 

ألفاظُهم لاكت تَرَدُّدَها الرياحْ 

في عالم أصواتُهُ الجوفاءُ يرصُدُها الفناءْ 

المتعبونَ بلا ارتياحْ 

الضائعونَ بلا انتهاءْ 

قالوا وقلتُ وليس يبقى ما يُقالْ 

يا لَلخرافةِ! يا لَسُخريةِ الخيالْ!




عاشقة الليل 

يا ظلامَ الليــلِ يا طــاويَ أحزانِ القلوبِ 

أُنْظُرِ الآنَ فهذا شَبَحٌ بادي الشُحـــــوبِ 

جاء يَسْعَى ، تحتَ أستاركَ ، كالطيفِ الغريبِ 

حاملاً في كفِّه العــودَ يُغنّــــي للغُيوبِ 

ليس يَعْنيهِ سُكونُ الليــلِ في الوادي الكئيبِ 

**** 

هو ، يا ليلُ ، فتاةٌ شُهد الوادي سُـــرَاها 

أقبلَ الليلُ عليهــا فأفاقتْ مُقْلتاهـــــا 

ومَضتْ تستقبلُ الواديْ بألحــانِ أساهــا 

ليتَ آفاقَكَ تــدري ما تُغنّــي شَفَتاهــا 

آهِ يا ليلُ ويا ليتَــكَ تـدري ما مُنَاهـــا 

**** 

جَنَّها الليلُ فأغرتها الدَيَاجــي والسكــونُ 

وتَصَبَّاها جمالُ الصَمْــتِ ، والصَمْتُ فُتُونُ 

فنَضتْ بُرْدَ نهارٍ لفّ مَسْــراهُ الحنيـــنُ 

وسَرَتْ طيفاً حزيناً فإِذا الكــونُ حزيــنُ 

فمن العودِ نشيجٌ ومن الليـــلِ أنيـــنُ 

**** 

إِيهِ يا عاشقةَ الليلِ وواديـــهِ الأَغــنِّ 

هوذا الليلُ صَدَى وحيٍ ورؤيـــا مُتَمنٍّ 

تَضْحكُ الدُنْيا وما أنتِ سوى آهةِ حُــزْنِ 

فخُذي العودَ عن العُشْبِ وضُمّيهِ وغنّــي 

وصِفي ما في المساءِ الحُلْوِ من سِحْر وفنِّ 

**** 

ما الذي ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، يُغْري بالسماءِ ؟ 

أهي أحلامُ الصَبايا أم خيالُ الشعـــراء ؟ 

أم هو الإغرامُ بالمجهولِ أم ليلُ الشقــاءِ ؟ 

أم ترى الآفاقُ تَستهويكِ أم سِحْرُ الضيـاءِ ؟ 

عجباً شاعرةَ الصمْتِ وقيثارَ المســـاء 

**** 

طيفُكِ الساري شحوبٌ وجلالٌ وغمـوضُ 

لم يَزَلْ يَسْري خيالاً لَفَّه الليلُ العـريضُ 

فهو يا عاشقةَ الظُلْمة أســـرارٌ تَفيضُ 

آه يا شاعرتي لن يُرْحَمَ القلبُ المَهِيـضُ 

فارجِعي لا تَسْألي البَرْق فما يدري الوميضُ 

عَجَباً ، شاعرةَ الحَيْرةِ ، ما سـرُّ الذُهُولِ ؟ 

ما الذي ساقكِ طيفاً حالماً تحتَ النخيـلِ ؟ 

مُسْنَدَ الرأسِ الى الكفَينِ في الظلِّ الظليلِ 

مُغْرَقاً في الفكر والأحزانِ والصمتِ الطويلِ 

ذاهلاً عن فتنةِ الظُلْمة في الحقلِ الجميــلِ 

**** 

أَنْصتي هذا صُراخُ الرعْدِ ، هذي العاصفاتُ 

فارجِعي لن تُدْركي سرّاً طوتْهُ الكائنــاتُ 

قد جَهِلْناهُ وضنَــتْ بخفايــاهُ الحيــاةُ 

ليس يَدْري العاصـفُ المجنونُ شيئاً يا فتاةُ 

فارحمي قلبَكِ ، لــن تَنْطِقُ هذي الظُلُماتُ




جامعة الظلال

أخيرًا لمستُ الحياهْ 

وأدركتُ ما هي أيُّ فراغٍ ثَقيلْ 

أخيرًا تبيّنتُ سرَّ الفقاقيعِ واخيبتاهْ 

وأدركتُ أني أضعتُ زمانًا طويلْ 

ألُمُّ الظلالَ وأخبِطُ في عَتْمة المستحيلْ 

ألمُّ الظلالَ ولا شيءَ غير الظِلالْ 

ومرَّتْ عليَّ الليالْ 

وها أنا أُدْركُ أني لمستُ الحياهْ 

وإن كنت أصرُخُ واخيبتاهْ! 

ومرَّ عليَّ زمانٌ بطيءُ العُبورْ 

دقائقُهُ تتمطّى مَلالاً كأنَّ العُصورْ 

هنالكَ تغفو وتنسى مواكبُها أن تدورْ 

زمانٌ شديدُ السواد, ولونُ النجومْ 

يذكّرُني بعيونِ الذئابْ 

وضوءٌ صغيرٌ يلوحُ وراءَ الغُيومْ 

عرفتُ به في النهايةِ لونَ السَّرابْ 

ووهمَ الحياهْ 

فواخيبتاهْ 

أهذا إذن هو ما لقّبوهُ الحياهْ? 

خُطوطٌ نظَلُّ نخطِّطُها فوقَ وجهِ المياهْ? 

وأصداءُ أغنيةٍ فظّةٍ لا تَمَسُّ الشِّفاهْ? 

وهذا إذنْ هو سرُّ الوجودْ? 

ليالٍ ممزّقةٌ لا تعودْ? 

وآثارُ أقدامِنا في طريقِ الزمان الأصَمْ 

تمرُّ عليها يدُ العاصفهْ 

فتمسحُها دونما عاطفهْ 

وتُسْلمُها للعَدَمْ 

ونحنُ ضحايا هنا 

تجوعُ وتعطشُ أرواحُنا الحائرهْ 

ونحسَبُ أَن المنى 

ستملأ يومًا مشاعرَنا العاصرهْ 

ونجهلُ أَنَّا ندورْ 

مع الوَهْم في حَلَقاتْ 

نجزِّئُ أيامَنا الآفلاتْ 

إلى ذكرياتْ 

وننتظرُ الغَدَ خلفَ العُصورْ 

ونجهلُ أَن القبور ْ 

تمدُّ إلينا بأذرعِها الباردهْ 

ونجهلُ أَنّ الستائرَ تُخفي يدًا ماردهْ 

** 

عرفتُ الحياةَ, وضِقتُ بجمع الظلالْ 

وأضجرَني أن نجوبَ التلالْ 

نحدّقُ في حَسرةٍ خلفَ رَكبِ الليالْ 

تسيرُ بنا القافلهْ 

نجوسُ الشوارعَ في وَحْدةٍ قاتلهْ 

إلامَ يُخادعُنا المبهَمُ? 

وكيفَ النهايةُ? لا أحدٌ يعلم 

** 

سنبقى نسيرْ 

وأبقى أنا في ذُهولي الغريرْ 

ألُمُّ الظلالَ كما كنتُ دونَ اهتمامْ 

عيونٌ ولا لونَ, لا شيءَ إلاَّ الظلامْ 

شفاهٌ تُريدُ ولا شيءَ يَقرَبُ مما تريدْ 

وأيدٍ تُريدُ احتضانَ الفضاءِ المديدْ 

وقلبٌ يريدُ النجومْ 

فيصفعُهُ في الدياجيرِ صوتُ القَدُومْ 

يُهيلُ الترابَ على آخر الميّتينْ 

وأقصوصةٌ من يَرَاع السنينْ 

تضجُّ بسمعي فأصرخ: آه! 

أخيرًا عرفتُ الحياهْ 

فواخيبتاهْ!




مأساة الحياة 

عبثًــا تَحْــلُمينَ شــاعرتي مــا مــن صبـاحٍ لليـلِ هـذا الوجـود 
عبثًــا تسـألين لـن يُكْشـف السـرُّ ولـــن تَنْعمــي بفــكِّ القيــودِ 
**** **** 
فـي ظـلال الصَّفْصافِ قَضَّيتِ ساعا تِــكِ حَــيْرى تُمضُّــك الأسـرارُ 
تســألين الظـلالَ والظـلُّ لا يـعـ ـلَـــمُ شــيئًا وتعلــمُ الأقــدارُ 
**** **** 
أبــدًا تنظــرين للأُفــق المـجـ ـهـول حـيرى فهـل تجلّى الخفيُّ? 
أبـــدًا تســألين والقَــدَرُ الســا خــرُ صمــتٌ مُسْــتغلِقٌ أبـديُّ 
فيــمَ لا تيأسـينَ? مـا أدركَ الأسـ ـــرارَ قلـبٌ مـن قبلُ كي تدركيها 
أســفًا يـا فتـاةُ لـن تفهمـي الأيـ ـــامَ فلتقنعــي بــأن تجهليهــا 
اُتــركي الــزورق الكليـل تسـيِّرْ هُ أكــفُّ الأقــدارِ كــيف تشـاءُ 
مـا الـذي نلـتِ مـن مصارعة المو جِ? وهـل نـامَ عـن منـاكِ الشقاءُ? 
آهِ يـا مـن ضاعتْ حياتك في الأحـ ـــلامِ مـاذا جَـنَيْتِ غـير الملالِ? 
لـم يَـزَلْ سـرُّها دفينـا فيـا ضيـ ـعـةَ عُمْـرٍ قضَّيتِـهِ فـي السـؤالِ 
**** **** 
هُــوَ سـرُّ الحيـاة دقَّ عـلى الأفـ ـهـامِ حـتى ضـاقت بـه الحكماءُ 
فايأسـي يـا فتـاةُ مـا فُهمـتْ مـن قبــلُ أســرارُها ففيـم الرجـاءُ? 
**** **** 
جـاء مـن قبـلِ أن تجيئي إلى الدُّنْـ ـيــا ملاييـنُ ثـم زالـوا وبـادوا 
ليـتَ شـعري مـاذا جَـنَوْا من لياليـ ـهـمْ? وأيـنَ الأفـراحُ والأعيـادُ? 
ليس منهـــم إلاَّ قبــورٌ حزينــا تٌ أقيمــت عـلى ضفـاف الحيـاةِ 
رحـلوا عـن حِـمَى الوجـودِ ولاذوا فــي ســكونٍ بعــالم الأمــواتِ 
**** **** 
كـم أطـافَ الليـلُ الكئيب على الجو وكـــم أذعنــت لــه الأكــوانُ 
شــهد الليــلُ أنّــه مثلمــا كـا نَ فــأينَ الــذينَ بـالأمس كـانوا? 
**** **** 
كـيف يـا دهـرُ تنطفـي بيـن كفَّيـ ـــكَ الأمـاني وتخـمد الأحـلامُ? 
كـيف تَـذْوي القلـوبُ وهـي ضياءٌ ويعيشُ الظـــلامُ وهْــو ظــلامُ 




عيون الاموات

يا رفات الأموات في الأرض ماذا رسم الموت فوق هذي العيون؟ 
أي رعب وحسرة وشكاة أيّ معنى من الرجاء الحزين؟ 
كل عينين فيها صور تب كي وترثي للعالم المغرور 
كل عينين تسخران من العي ش وتستهزآن بالمقدور 
كل عينين تنظران إلى الآفا ق بعيدا عن كل ما في الحياة 
آه يا ربّ آه لو فهم الأح ياء ماذا في أعين الأموات 
يا فتاة الخيال حسبك شدوا برثاء الموتى وحسبك حزنا 
سوف يبقى الخصام والشرّ ما عا ش الأناسيّ والأناشيد تفنى 
هكذا شاءت المقادير للعا لم إثم وشقوة وحروب 
وهي النفس تحمل الشرّ والبغ ض فماذا يفيدها التهذيب 
كم تّغنى بالسلم والحبّ والرح مة من شاعر ومن فيلسوف 
أسفا ضاعت الأغاني ولم تب ق سوى ضّجة القتال العنيف 
يا لهذا الكون المعذب في قي د من الشر والأذى والأثام 
كيف ينجو من الاسى ومتى يش فى من الموجعات والآلام؟ 
كيف ينجو والطبع والقدر القا سي يسوقانه إلى الأحزان؟ 
يا لقلب المسكين ليس له في حومة الشرّ والشقاء يدان 
كم أراد السموّ عن وهدة الشر فحالت طباعه الآثمات 
كم أراد النجاة من مخلب الغد ر فعزت على مناه النجاة 
ما الذي رامه المسيح لكي يج زى بما كان ما الذي كان منه؟ 
أيها العالم الذي اقترف الذن ب أما آن أن تكّفر عنه؟ 
أو لم يكفك الشقاء أما زل ت مشوقا إلى حياة الدماء؟ 
جف نبع الدموع والدم يا كو ن فهلا رثيت للأشقياء؟ 
لذ ببرج السماء من نشوة القتل ألا وليختم سجلّ الرزايا 
وليكن من فقدت في هذه الحر ب ختام الذين ماتوا ضحايا 



البحث عن السعادة

قد بحثنا عن السعادة لكن ما عثرنا بكوخها المسحور 
أبدا نسأل الليالي عنها وهي سرّ الدنيا ولغز الدهور 
طالما حدّثوا فؤادي عنها في ليالي طفولتي وصبايا 
طالما صوّروا لعينيّ لقيا ها وألقوا أنباءها في رؤايا 
فهي آنا ليست سوى العطر والأل وان والأغنيات والأضواء 
ليس تحيا إلا على باب قصر شيّدته أيدي الغنى والرخاء 
وهي آنا في الصوم عن متع الدن يا وعند الزّهاد والرهبان 
ليس تحيا إلا على صخر المع بد بين الدعاء والإيمان 
وهي حينا في الإثم والمتع الدن يا وفي الشرّ والأذى والخصام 
ليس تصفو إلا لقلب دنيء لآئذ بالشرور والآثام 
وهي في شرع بعضهم عند راع يصرف العمر في سفوح الجبال 
يتغنى مع القطيع إذا شا ء تحت الشذى والظلال 
وهي في شرع آخرين ابنة العز لة والفنّ والجمال الرفيع 
ليس تحيا إلا على فم غرّي د يغني أو شاعر مطبوع 
وهي حينا في الحبّ يلهمها سه م كيوبيد قلب كلّ محبّ 
ليس تحيا إلا على شفة العا شق يشدو حياته لحن حبّ 
حدّثوني عنها كثيرا ولكن لم أجدها وقد بحثت طويلا 
لم أزل أصرف الليالي بحثا وأغّني بها الوجود الجميلا 
مرّ عمري سدى وما زلت أمشي فوق هذي الشواطىء المحزونه 
لم أجد في الرمال إلا بقايا ال شوك! يا للأمنية المغبونه 
أين اصدافك اللوامع يا شطّ إذن أين كنزك الموعود؟ 
هاته رحمة بنا ,هات كنزا هو ما يرتجيه هذا الوجود 
هاته حسب رملك البارد القا سي خداعا لنا وحسبك هزءا 
يا لحلم نريد منه اقترابا وهو ما زال أيّها الشطّ ينأى 
لم تعد قصّة السعادة تغر يني فدعني على شاطىء الآهات 
عبثا أرتجي العثور على الكن ز فلا شيء غير صمت الحياة 
أين من هذه الحياة ابتساما ت الأماني ونشوة الأفراح؟ 
كيف يحيا فيها السعيد وليست غير بحر تحت الدجى والرياح 
طال بحثي يا ربّ أين ترى ذا ك السعيد الجذلان أين تراه؟ 
ليس حولي إلا دياجير كون ليس يفنى بكاؤه وأساه 
كل يوم ميت يسير به الأح ياء باكين نحو دنيا الظلام 
يا لأسطورة الخلود فما الخا لد غير القبور والآلام 
يا دويّ النواح في الأرض أيّا ن يكفّ الباكون والصارخونا؟ 
ومتى ينتهي الشقاء متى ير تاح كون ذاق العذاب قرونا 
عالم كلّ من على وجهه يش قى ويقضي الأيام حزنا ويأسا 
جرّعته السنين حنظلها المرّ فعاف الحياة عينا ونفسا 
إيه أسطورة السعادة هاتي حدّثيني عن سرّك المنشود 
أين ألقاك؟ أين مسكنك المر موق؟ في الأفق أم وراء الوجود؟ 
سرت وحدي تحت النجوم طويلا أسأل الليل والدياجير عنك 
أسفا لم أجدك في الشاطىء الصخ ريّ حيث المياه تفتأ تبكي 
حيث تبقى الأشواك والورد يذوي تحت عين الأيّام والأقدار 
حيث يفنى الصفاء والليل يأتي بجنون الأنواء والأعصار 
حيث تقضي الأغنام أيّامها غر ثى ولا عشب في جديب المراعي 
أبدا تتبع السراب وتشكو بخل دهر مزّيف خدّاع 
حيث يحيا الغراب, والبلبل الموهوب يهوي في عشّه المضفور 
ويغّني البوم البغيض على الدو ح ويثوي القمريّ بين الصخور 
حيث تبقى الغيوم في الجوّ رمزا لحياة سوادها ليس يفنى 
حيث تبقى الرياح تصفر لحنا هو سخرّية المقادر منّا 
حيث صوت الحياة يهتف بالأحياء : ماذا تحت الدجى تبتغونا؟ 
انظروا كلّ ما على الأرض يبكي فأفيقوا يا معشر الحالمينا 




قلب ميت 

نعم , مات قلبي , أين أحزان حبّه ؟ 

وأين أمانيه ؟ وأين أغانيه ؟ 

حرارته أضحت رمادا مهشّما 

وأحلامه ذابت على صدر ماضبه 

هو الآن ثلجيّ العواصف , بارد 

يقضّي مع الأشباح غرّ لياليه 

ويرعبه ذكر الممات وليله 

فيدفن نيران الأسى في قوافيه 

وكان له من قبل هيكل معبد 

يغّنيه في أحلامه وصلاته 

من الحبّ والأحلام صاغ رواءه 

وألقى عليه أمنيات حياته 

على صدره الشعريّ تمثال شاعر 

تذوب معاني الروح في نظراته 

يرى فيها إحساسي حياة نقية 

أطلّت خفاياها على ظلماته 

وكان صباح ..واستفقت فلم أجد 

من المعبد الشعريّ إلا رسومه 

تحطّم تمثالي الجميل على الثرى 

وألقى على قلبي النقيّ همومه 

ورحت إلى حبّي أمزّق زهره 

وانثر أحلام الصبا ونجومه 

وينضب في قلبي جمال شبابه 

وينفث ليل الحزن فيه سمومه 

وها أنا ذي عمري احتقار وأدمع 

وفي نفسي الولهى لظى وتمرّد 

أحنّ إلى حبّي الجميل وإن يكن 

أشاح عن التمثال جفني المسهّد 

وماذا تبقّى الآن ؟ شلو حجارة 

تضيق بها نفسي , وصخر ممدد 

تعلق قلبي بالنجوم وقلبه 

تمرّغ في الأوحال , والطين يشهد 

هنالك , في الأمس البعيد , وليله 

سأدفن تمثالي وحبّي وأدمعي 

أشيّد قبرا من تمرّد خافقي 

وأسقيه من بغضي له وترفّعي 

أغّنيه ألحان احتقاري وثورتي 

وتهزأ أضواء النجوم به معي 

وأزرع فيه الشوك والسمّ واللظى 

وأتركه شلوا كقلبي المروّع



إلى عيني الحزينتين 

عينيّ , أيّ أسى يرين عليكما ويثير في غسق الدجى دمعيكما ؟ 
إني أرى خلف الجفون ضراعة تستنطق الكون العريض المبهما 
أفقان تحت الليل ألمح فيهما قطرات ضوء يرتشفن الأنجما 
الكون مبتسم فأيّة لوعة يا مقلتيّ تلوح في جفنيكما ؟ 
مسكينتان , رأيتكما ما لا برى جيل أقام على لضلال وحوّما 
جهل الحقائق في الحياة , فلم يطق عن زيفها هربا وعاش مهوّما 
مسكينتان كتمتما حمم الأسى فأبى تأوه خافقي أن تكتما 
فإذا الدموع غشاوة رّفت على جفنيكما , سيلا سخينا مفعما 
ورأيتما , خلل الدموع , مفاتن ال ماضي وطاف الشوق في أفقيكما 
عبثا تصوغان التوسّل في الدجى, قلب القضاء قضى بألا تنعما 
عبثا , فيا عينيّ لا تتضرّعا لا شيء يرجع بالجمال إليكما 
حسبي وحسبكما الرضوخ لما قضى قلب الليالي فارضخا واستسلما 
كم حالم من قبلنا فقد المنى فقضى الحياة لوحده متجّهما 
يرعى الليالي مانحا ظلماتها روحا مجنحة وقلبا ملهما 
*** 
عينيّ , يا سرّ الطبيعة , حدّثا ماذا وراء الكائنات رأيتما ؟ 
رفعت دياجير الحياة ستورها لكما وابدت سرّها المستبهما 
هاتا حديث الموت , هاتا سرّه قد آن , يا عيني, أن تتكلما 
ما شاطىء الأعراف ؟ ما ألوانه ؟ ما سرّه الخافي ؟ صفاه وترجما 
في صدري الخفّاق قلب راعش ما زال صبا بالمفاتن مغرما 
لولاه , يا عينيّ , ما غنّيتما بهوى الحياة ولا أصابكما الظما 
عذرا إذا حمّلتما حزن الدنا لولاي , يا عينيّ , ما حمّلتما 
وكفى فؤادي , في الحياة , شقاوة أنّي جنيت , مع الحياة , عليكما 




الجرح الغاضب

أغضب أغضب لم أحتمل الجرح الساخر 

جرح قد مرّ مساء الأمس على قلبي 
جرح يجثم كالّليل المعتم في قلبي 
يجثم أسود كالنقمة في فكر ثائر 
جرح لم يعرف إنسان قبلي مثله 
لن يشكو قلب بشريّ بعدي مثله 
الظلمة في أمسي المطويّ أحسته ومضت تهمس في صمت الليل : من الجاني 
حتى الأبديّة والآفاق أحستّه وتناسى, لم يعبأ, لم ينتبه الجاني 
أغضب, يرتعش الموج معي تحت القمر 
ويضجّ وتبلغ ثورته سمع القمر 
يجنّ الغيم الأسود في عرض الأفق ويلفّ الشاطىء ثوب حداد كجنازه 
يتحوّل صمتي نارا تصرخ في الأفق وأغني رقّة إحساسي لحن جنازه 
أمسي , في أمسي قد دفنت أشلاء غدي 
كانت, لم يدر بها أحد, شبه جريمه 
كيف على الأرض تساقط حلمي بين يدي 
كيف المقدور مضى نزقا يقتل قلبا ؟ 
وتبقّت ذكرى مطفأة كانت أمسا وتبقّت انّات حيرى كانت لحنا 
جدران عارية كانت يوما أمسا أصداء في غار خاو كانت لحنا 
*** 
يهتف في حزن, في جزع : كيف ابوح ؟ 
ليت الجرح المظلوم إلى الليل يبوح 
ورأيت على الأفق المخضوب بفيض دمي 
عيناه الزرقاوان مساءا أهوال ويداه السوداوان ذراعا عفريت 
شبح مجنون أيقظ عاصف أهوال وأحال دياجيري أحجيّة عفريت 
أغضب للجرح المختلج الشاكي أغضب 
سيجنّ معي الصبر المذبوح المرتعش 
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش 
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب 
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي 
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟ 
حتى القمريّة والأشجار أحسّته وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني 
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش 
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب 
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟ 
حتى القمريّة والأشجار أحسّته وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني 
ستجنّ معي اللعنة والحقد المرتعش 
ستثور معي الذكرى ستثور ولا مهرب 
لا مهرب من جرح قد مرّ على قلبي 
جرح يصرخ كالجوع البائس في قلبي
الظلمة في صمت الآفاق أحسّته ومضت تسأل في قلب الليل : من الجاني ؟ 
حتى القمريّة والأشجار أحسّته وتضاحك, لم يشعر, لم ينتبه الجاني !!!!!



تهم

أعبّر عمّا تحسّ حياتي وارسم إحساس روحي الغريب 
فأبكي إذا صدمتني السنين بخنجرها الأبديّ الرهيب 
وأضحك مما قضاه الزمان على الهيكل الأدميّ العجيب 
وأغضب حين يداس الشعور ويسخر من فوران اللهيب 
أعبّر عن كلّ حسّ أعيه 

وأبكي الحياة ولا أنكر 

وأضحك من كلّ ما تحتويه 

وأغضب لكنّني أشعر 

يقولون شاعرة في السحاب تحلّق خلف سراب النجوم 
أنانيّة لا تحسّ الوجود وإن صرعته جبال الغموم 
خياليّة تمقت الكائنات وتخلق عالمها في الغيوم 
خريفيّة تكره الضاحكين لتدفن جبهتها في الهموم 
أنانيّة وأحب البشر 

خياليّة وحياتي تسير 

خريفيّة وأناجي الزهر 

وعاطفتي لهب من شعور 

يقولون:عاشقة للظلام تحبّ الدياجي وتهوى السكون 
وتنشد أشعارها للجبال وترسم أحلامها للعيون 
تحبّ الحياة ولكنّها تعكّرها بخيال المنون 
ترى جوّها غيهبا حالكا يضيق بآثامه الملهمون 
أحبّ الظلام ولكنني 

أثور على كلّ أحلامكم 

أحبّ الحياة على أنني 

أحقر موكب أيامكم 

يقولون: جامدة الحسّ تحيا مع الأمس في حلم جامد 
يقولون: صوفيّة فالحياة تنوح على حسّها الخامد 
عواطفها جمدت كالنجوم كتهويمة القمر البارد 
وتحليقها كان ثم امّحى على صدر إحساسها الراكد 
يقولون لكنّني تائهه 

ألوذ بصمتي الخفيّ الغريب 

أعيش حياتي كالآلهه 

وقلبي شعور وروحي لهيب 

يقولون دعهم غدا يعلمون ودعني أنا للشّذى والجمال 
أحبّ الحياة بقلبي العميق وأمزج واقعها بالخيال 
أحبّ الطبيعة حبّ جنون أحبّ النخيل أحبّ الجبال 
وأعشق ذاتي ففي عمقها خيال وجود عميق الظلال 
وأهتف يا نار قلبي الغريب 
وموج أحاسيسي الثائره 
إذا اتّهموا فلماذا أجيب 
بغير ابتسامتي الساخره ؟


أتمنى ان تنال اعجابكم 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق