الأربعاء، 20 أبريل 2016

باقات من حدائق المتالقة المبدعة الشاعرة مي زيادة




باقات من حدائق المتألقة المبدعة الشاعرة/ مي زيادة

فاروق سعد

سيرة مي زيادة 
مع مقتطفات من تراثها

منشورات زهير بعلبكي
بيروت


أتمنى أن يأتي بعد موتي 
من ينصفني، ويستخرج من كتاباتي 
الصغيرة المتواضعة ما فيها من 
روح الإخلاص والصدق والحمية 
والتحمس لكل شيء حسن وصالح 
وجميل، لأنه كذلك، لا 
عن رغبة في الانتفاع به..
"ميّ"
من رسالة لمي زيادة إلى الدكتور
يعقوب صرّوف في شباط 1919



ألا تصغى إلى همس خفيّ وراء الاسم ؟!


شجية ، كنار ، عائدة ، إيزيس كوبيا ، السندبادة البحرية الأولى ، مداموزيل صهباء ، خالد رأفت ، الآنسة مي .. جميعها أسماء لمسمّاة واحدة هي ماري زيادة !.

" ألا تصغي إلى همس خفي وراء الإسم والكنية عند سماعها للمرة الأولى كأن لها ذاتاً خفية وراء المعنى الظاهر" و "أي شيء في الاسم؟ تناجي جولييت حبيبها روميو في الفصل الثاني من مسرحية شكسبير "إن ما نسميه وردة سينشر عرفه ذكياً لو تسمى باسم آخر".

ولو لم تتسم ماري زيادة بتلك الأسماء، أم بواحدة منها ، لما حال ذلك دون كونها تلك الآنسة التي عظمت مكانتها في الأفئدة واستفاض ذكرها على الألسنة، لما وهبته من شاعرية فذة ، وذكاء نادر وفصاحة فريدة، ولما بلغته من غاية الفكر والفن والأدب، ولما أبدعته من تراث أمدّ الفكر الإنساني عامة والفكر العربي خاصة بعطاء رائع خالد.



صحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي؟!


"صحيح أنك لم تهتدي بعد إلى صورتي فهاكها: استحضري فتاة سمراء كالبن أو كالتمر هندي، كما يقول الشعراء أو كالمسك كما يقول ميتم العامرية، وضيفي إليها طابعاً سديمياً – فلسمح لي البلاغيون بهذا التعبير المتناقض – من وجد وشوق، وذهول ، وجوع فكري لا يكتفي وعطش روحي لا يرتوي ، يرافق أولك جميعاً استعداد كبير للطرب والسرور واستعداد أكبر للشجن والألم – وهذا هو الغالب دوماً – وأطلقي على هذا المجموع اسم مي تري من يساجلك الساعة قلمها".

تلك هي اللوحة التي رسمتها مي لصورتها في رسالة من رسائلها إلى صديقتها السيدة جوليا طعمة دمشقية فبدت صورة ذاتية دافقة بالإنطباعية في ألوان خلابة تملك المشاعر وخطوط مرهفة تستأثر بالألباب.



ولدت في بلد ، وأبي من بلد ،
وأمي من بلد ، وسكني في بلد


" ولدت في بلد ، وأبي من بلد ، وأمي من بلد ، وسكني في بلد وأشباح نفسي تنتقل من بلد إلى بلد .. فلأي هذه البلدان أنتمي وعن أي هذه البلدان أدافع".

هكذا بعبارات سلسلة تعبر مي ببساطة عن تساؤلات تطارحت في مخيلتها يوم انتقلت إلى القاهرة مع والديها سنة 1908 .. ثم تتالت الأحداث في حياتها تحمل الإجابات على هذه التساؤلات.

ولدت في بلد!.. كانت ولاة مي في بلدة الناصرة بفلسطين.
وأبي من بلد !.. وكان والد مي الياس زخور زيادة من حتول احدى قرى قضاء كسروان في جبل لبنان.
وأمي من بلد!.. وكانت نزهة معمر والدة مي فلسطينية من الجليل.
وسكني في بلد!.. ورأى الياس زيادة أن ينتقل مع أسرته إلى القاهرة لعله يحظى بمدخول أوفر من راتبه الذي يدره له التعليم في مدرسة الأرض المقدسة في الناصرة.. يمكنه ممارسة الصحافة إلى جانب التعليم.. وهكذا انتقل الياس زخور زيادة وزوجته نزهة معمر ووحيدتها مي إلى القاهرة ليمارس التدريس والصحافة ثم لينصرف إلى الصحافة في جريدة "المحروسة".


******



".. بأي اللهجات أتفاهم والناس، وبأي الروابط أرتبط؟ أأتقيد بلغة جماعتي وهي، من زعمهم ليست لي، ولم توجد لأمثالي أم أكتفي بلغة الغرباء وأنا في نظرهم متهجمة عليها".

كان لا بد لمي من طرح هذا السؤال وهي تنر مؤلفها الأول "أزاهير حلم" بلغة ليست لغة جماعتها ، هي اللغة الفرنسية..

ولكن هل كانت مي فعلاً متهجمة على لغة الغرباء؟...

لنباشر من البداية ولندع مي تتحدث عن أزاهير حلم:

" – في مشاهد لبنان الجميلة، حيث الجنائن المزدانة بمحاسن الطبيعة الضاحكة والجبال المشرفة بجلالها على البحر المنبسط عند هاتيك الأكمام الوادعة – كنت أسرح الطرف بين عشية وضحاها وأنا طفلة صغيرة بمدرسة عينطورة، فكانت توحي إلى نفسي معاني الجمال، فتفيض بها شعراً في أوقات الفراغ وأثناء الدرس التي كنت أشغل عنها بنظم الشعر وتدوينه حتى اجتمع لي منه مجموعة باللغة الفرنسية سميتها "أزاهير حلم" ونشرتها بإمضاء إيزيس كوبيا سنة 1911 بعد أن نزلت مصر مع والدي وكانت هذه المجموعة أول كتاب صدر لي في عالم التأليف".

وهكذا يصدر للآنسة اللبنانية التي كانت تعطي دروساً خصوصية باللغة الفرنسية لبنات الوجيه القاهري إدريس راغب ديوان شعر بالفرنسية تحت عنوان Fleurs de Reve لمؤلفته إيزيس كوبيا Isis Copiaa !

وتلفت هذه المجموعة الشعرية نظر كل من انطوان الجميل وخليل مطران فيخصها الأول بكلمة في جريدة المحروسة ويكتب عنها الثاني مقالاً في جريدة الأخبار.

يقول انطوان الجميل واصفاً الكتاب إنه يراه "مجموعة أزهار عطرية نبتت في رياض الأحلام الجميلة وهي مهداة إلى لامرتين شاعر القلوب الحزينة، وهذه الروح المتألمة ترف على كل صفحة من صفحاته وتجعل الكاتبة تقول في قصيدة، "هل هي شاعرة" معناها البكاء والرأفة والحب والألم.. هذه هي صفات الشاعر"

أما خليل مطران فإنه بعد مطالعته "أزاهير حلم" تمثل لديه "قفص من الذهب يتحرك في داخله وينتقل بين أسلاكه اللامعة عصفور صغير ملوّن الريش مرح كل المرح، كأنه يضرب بأجنحته الصغيرة جوانب هذا القفص الذهبي ليفلت من قيود أسلاكه وينطلق فيه إلى الجو الفسيح لأنه لا يطيق الاحتباس ولا يقدر أن يكون سجيناً في مكان ضائق بأمانيه في الحياة".




Read more: http://www.traneeem.com/vb/t127282.html#ixzz46LosV1nC




تعبق أزاهير حلم بشذى يضاهي ذلك الأريج الذي فاحت به قصائد الرومنطيقيين الأوروبيين في القرن التاسع عشر.

أن أول ما يطالعنا في شعر مي حضور شخصيتها بل كينونتها. وحضور شخصية مي لا يتمثل في وجودها الحسي فيها فحسب بل في انعكاسات ذاتيتها على مدى أبعاد ، فحضور مي "مع لورد بايرن في غابات لبنان" لا يقف عند قولها:
" نحن الآن في منتصف الساعة الحادية عشرة صباحاً. وأنا 
وحدي في الغابة منذ ساعتين. وحدي مع بايرن شاعر العنف 
والعذوبة والذي يضعه الإنجليز في المرتبة الرابعة من شعرائهم
مع أنه يستحق أن يكون الأول بعد شكسبير.

بينما كنت أقرأ كان دفتري على مقربة مني. والآن وقد
أنشأت أكتب فإن شايلد هولد ملقى عند قدمي".

ويتعدى حضور شخصية قول مي هذا إلى أعماق وجودها النفسي في تفاعله مع رؤى الطبيعة:
" يا هذه البرية ! يا هذا الخلاء في لبنان!
إني لألقي على كل صخر من صخورك، تحت كل شجرة من 
أشجارك ، في كل مذهب من مذاهب أوديتك، نثرات من
كياني: أنثر الإبتسامات ، والزفرات ، والأحلام ، والأغاني
والآمال ، والإعجاب والتأمل...
يلوح لي أحياناً أني طرحت عليك كل ما في حولي وكل ما
في وسعي، وأني ألقيت إليك بنهاية منتهى اقتداري.
ولكني كلما أحببتك زدت نمواً واقتداراً.
كلما دفقت عليك، يا قمم جبالي، عواطفي وذهولي تجدد
فيّ الحب وذكى الحماسة، فإذا بي مثلك باقية.
أحبك ، وسأحبك على الدوام".


ويأتي الألم بكل ما يحمل من صبر وعزة وطهارة ليقف إلى جانب الكآبة في "أزاهير حلم":
" ما أشرفك أيتها الأنفس التي تجردت من الثروة؟ وأنت أيتها الأنفس 
الجبارة التي لا تحطمها أحداث الدهر!
وما أسمى شموخ الأنف الذي لا يذله الفقر!
وما أنبل القلوب الشهمة التي تثقلها الآلام ولا تخنع..

الفرح يهملك بعد ابتسامه الطويل، والأخطار تحيق بك من كل صوب.
والشدائد تمزقك والدموع السخينة التي تذرفينها في وحدتك تقرح عينيك وتضرم
قلبك. غير أنك ستبقين كبيرة فالشرف مقرون بعذابك النبيل، والسعادة
تفوق الادراك والوصف".


وها هي تهتف في أزاهير حلم:

" دعوني في هذا الملجأ الساحر.
دعوني وحيدة أحيا مطمئنة
بعيدة عن ضوضاء المدن،
دعوا لأنظاري تلك الرؤى العذبة
دعوا لأفكار أحلامها الرخية
دعوني أنعم بالرقاد
دعوني أياماً فإني لا أود أن أسمع
إلا الحفيف ، الخفيف، الموسيقي الحنون
الذي تتنفس به هذه الجبال
ألا أبعدوا عني، ولو حيناً، أصوات البشر
التي تتبطن الحسد والحقد والغل
هنا يطيب لنا الحب...
أجل يطيب لنا الحب: بين الأشجار المنعزلة؛
والخرائب البائدة، وما حملت من أخبار الزمان
وهذه الصخرة الكئيبة..
كل ما في هذه الربوع يجذبني ويسحرني
الأوراق التي أحسها تنبض، والعصافير التي ترد
كلما رأتني أدنو".



ورغم أن "أزاهير حلم" نشرت باللغة الفرنسية إلا أنها كانت تتقن اللغة العربية كما تتقن اللغة الفرنسية.. وكما تتقن اللغة الألمانية.. وكما تتقن اللغة الانجليزية.. وغيرها وغيرها.. إنها (عبقرية اللغات) تلك التي تتمتع بها هذه الفتاة...

ولكن من أين لمي تلك البراعة باللغة العربية وثقافتها الأساسية فرنسية!... 
الجواب لمي نفسها 

" – لذلك حكاية طريفة. لما صدر كتابي الفرنسي، قامت والدتي تحتج عليّ وتقول لي: ما في أحلى من اللغة العربة.. أما اللغة العربية فقد تعلمتها من القرآن على لطفي السيد بك وكان كلما زارنا مرة، انزويت وإياه والدكتور شميل في ركن من بهو الإستقبال، وراح يقرأ عليّ القرآن ويفسره ويشرح العويص من كلامه ثم أهدى إلي أول كتب عربية طالعتها: "النسائيات" لباحثة البادية، "مجموعة الأشعار" للبارودي، "تحرير المرأة" لقاسم أمين".

"... وكان والدي قد أصدر في هذا العهد جريدة "المحروسة" فأخذت أقرأ بعناية كل ما يكتبه فيها كبار الكتّاب، حتى تكونت لي ملكة عربية شجعتني على ترجمة رواية فرنسية بعنوان "رجوع الموجة".

وكانت أول كتاب نشرته باللغة العربية.

وفي هذا الحين كنت أتابع دروسي باللغة الألمانية والانجليزية والفرنسية فترجمة رواية "هجرة الفرنسيين إلى أمريكا" – عن الانجليزية – بعنوان "الحب في العذاب". وتوضح مي: "رجوع الموجة نقلته عن الفرنسية للكاتب برادا ونشر ذيلاً بجريدة المحروسة أو رفرفاً كما كان يسمي Feuilleton أحمد زكي باشا".

وعندما عدت إلى مصر آخر الصيف نشرت "الحب الألماني" ذيلاً في المحروسة فلم يعجب عنوانه والدي فسألني عن موضوعه فلخصته له بكلمات فاقترح عليّ تسميته "ابتسامات ودموع".







" الفكر!.. ما أجذب الفكر إذا هو مزج بطلاوة العاطفة وخيمت عليه أوشحة الخيال! عشت السنوات الأولى من حياتي دون تفكير، وها قد غدا الجناح الملون بألوان قوس السحاب يضرب جبهتي ليفسح له فيها وكراً فصار كل موضوع، وكل مشهد طبيعي ينحني بتأملات زرقاء، وردية، ذهبية،فضية، رمادية تحول حولي تارة، وطوراً تجثم فيّ متعاونة مع ما في الكتاب على إيصالي إلى روح الإنسانية. فإذا أسمع دقات قلبها ومدى أنينها فأدرك أنها شقية بجهلها واضطرابها وهمومها، وأنه قدر على المختارين من بنيها أن يتألموا أضعافاً لأنهم السابقون إلى مقاتلة المجهول وكجميع الطلائع يتلقون ضربات المصادرة والمقاومة فلا تضعف عزائمهم، ولا تكل أقدامهم، ويثابرون على تلمس السبيل في حالك الظلمات، ويسيرون إلى الأمام حاملين غنيمة الجهود الإنسانية والثقة بتحقيق الآمال".

"كان ذلك في صيف عام 1911 وبي تيقظ الفتاة الأولى، واستفسارها الصامت إزاء المسائل الكونية والعمرانية والروحية، المتنبه المتحفز للاهتمام والتحمس. وبي كذلك خجلها وحيرتها وترددها..."

"... كنت شرعت أدرس الألمانية في القاهرة ابان الشتاء ولم ينلني منها سوى عشرين درساً أو أكثر قليلاً. ولما تزودت بالكتب قبيل الرحيل أضفت إلى حقيبتي كتاباً ألمانياً لا غير، هو "الحب الألماني" هذا. وقد وقع عليه اختياري لأن السيدة البروسية التي تتلمذت لها ذكرته ممتدحة أسلوب مكس مولر المشبع فكراً ومعرفة، على سهولته ورشاقته. ونسبت هذه الرشاقة وتلك السهولة إلى كون المؤلف شاعراً بفطرته ووراثته رغم اشتهاره بالعلم والبحث، وإلى كونه إنجليزياً بوالدته كما صار بعدئذ انجليزيا بزوجته وباستيطانه إنجلترا أعواماً طوالاً. فكان له من إجادة اللغة الإنجليزية ومعالجتها والتأليف منها ساعد قوي في تجريد جملته الألمانية من التطويل والصعوبة والابهام الملازم لها غالبا عند كتاب الألمان، لا سيما العلماء والفلاسفة.

"أنشأت أتصفح الكتاب في عزلة "الكوخ الأخضر" ولم أخرج من الفصل الأول حتى تملكتني روحه الشعرية الفلسفية وأرهفت ذهني فتمكنت من الإحاطة بالمعنى العام وإن فاتني من معنى المفردات الكثير. وما أتيت عليه إلا وعدت أراجع قراءته مرات حتى ابتهجت بمحاسنه نفسي المنفردة وعلى قصر باعي بالعربية التي كنت نشرت فيها مقالات ابتدائية قلائل ، ومع إني لم يكن لدي معجم ألماني، استعنت بالقلم والقرطاس لأرسم بلغتي تلك الخطوط البديعة، ولو كان لي مقدرة مكس مولر الفكرية والانشائية لما أفصحت عن حركات النفس بسواها. وقد قال لي أحد الأدباء عندما نشرت "ابتسامات ودموع" في ذيل المحروسة في الشتاء التالي، قال "أسائل ذاتي ساعة أقرأ ذيل المحروسة أأنت ناقلة مكس مولر إلى العربية أم هو ناقلك إلى الألمانية؟".؟ في هذه الكلمة التي تخال تماماً للوهلة الأولى حقيقة أولية هي كل قوة الكاتب الوجداني الذي إنما نحكم له بالتفوق لأنه أحسن التعبير ليس عما يشعر به هو الكاتب بل ما نشعر به نحن القراء. وكيف لا نحكم له بذلك وهو الغريب الجاهل أسرار قلوبنا قد اطلع على خفايانا وبسطها لنا وللعالمين. وكتاب "ابتسامات ودموع" من هذا القبيل آية سحر وبراعة. لا يقصر على الوصف بل هو مهبط وحي للنفوس الحساسة".

"الحب الألماني! كلا. ليس هذا الكتاب حباً ألمانياً فقط بل هو خلاصة بسمات الإنسان وعبراته. فسميته "ابتسامات ودموع". فإن كان ذلك تزييفاً لفكرة المؤلف الواجب احترامها على كل مترجم، فهو صادق من حيث اقتناعي الخاص، أمين للصورة التي ارتسمت منه في نفسي".

هذا ما أوردته مي في مقدمتها لكتابها "ابتسامات ودموع" الذي نقلته إلى العربية من الألمانية عن قصة الكاتب مكس مولر الذي تعرّفنا مي به وبأعماله تلو مقدمتها للكتاب.




كتاب "ابتسامات ودموع" قصة مؤلفة من ثمانية فصول أو بالأحرى من ثمانية ذكريات ضمتها صفحات من رسائل نجت من الحريق على حد زعم المؤلف في المقدمة: "كذلك يقرأ الصديق الأسيف صحائف لم تقع عليها عين غير تلك التي أطبقت إلى الأبد. وإذ يتثبت من خلوها مما يعبأ به العالم يحملها بيد مرتجفة ويلقيها في النار، فيضم اللهيب وديعته هنيهة ولا يطول حتى ينفلت وإياها رماداً.. لقد نجت الصفحات التالية من مثل هذا المقدور..."...

في الذكرى الأولى أسرار الطفولة..
وفي الذكرى الثانية لقاء مع الأميرة...
وفي الذكرى الثالثة خاتم الاميرة..
أما الذكرى الرابعة فهي عودة إلى قصر الأميرة.
وفي الذكرى الخامسة تتفتح براعم الحب.
وفي الذكرى السادسة تهيئة السفر.
أما الذكرى السابعة فهي رحلة طويلة .. في القصر .. مع الكونتس..

كلمات في صور ملونة تترى نلمح بينها هيلانه جوته وهايدي بيرون، ورؤى وعبارات شللر و وردذورث وروسو، وخطوط ترنر، وتنبعث منها ألحان سيمفونيات بتهوفن حتى إذا أتت الذكرى الأخيرة كان الماضي يتمثل في الذاكرة...


يتبع..

Read more: http://www.traneeem.com/vb/t127282.html#ixzz46LpHDlc8




السانحة الأولى


نحن الفتيات أسيرات الأزياء،و عبدات التبرُّج ، ولُعَب الأهواء، أنكتب نحن فتيات اليوم؟

نعم، صرنا نكتب ليس بمعنى تسويد الصحائف فحسبُ بلبمعنى الانتباه للشعور قبل التحبير ، لقد خبرنا الاختلاء بذواتنا فأقبلنا على تفهممعاني الحياة نتفرس في المشاهد بأبصارٍ جديدة، ونصغي إلى الأصوات بمسامع منتبهة ،ونتوق إلى الحرية والاستقلال بقلوبٍ طروبة، ونعبِّر عن النزعات بأقلامٍ يشفعالإخلاصُ في تردّدها. إن الأمر لكذلك. وجرأتنا هذه لم تبدُ من اللائي سبقننا،وإقدامنا لم يألفه الرجل من سوانا ، والجمهور يرقبنا بنظرةٍ خاصة تائقاً إلىتصفُّحِ نفس المرأة في ما تصِفُ به ذاتهاو ليس في ما يرويه عنهاالكاتبون.

وما الغرض من ذلك؟

يزعم الجمهور إن رغبته في تذوُّق إنشاءِالمرأة لا تُعربُ عن إكبارهِ لذلك الإنشاء ، أو عن إقراره بصدق الفراسة منها. وإنما لأن في كتاباتها مظهراً من مظاهر الذات النسائية العامة. 

خطوةٌ صالحةنحو تكريم الأدب النسائي ، إلا أن فيها من الظلم و غمط الحقوق ما فيها. نحن نحبُّ الحلم ، و نطلب التساهل ، و نريد أن يستعان في الحكم علينا "بالظروف المخففة"كما يقول سادتنا الحقوقيون.

نريد ذلك لأننا مبتدئات. نريده لأننا مبتدئات ولأننا بنات يوم تشرق علينا شمسه نخلق أنفسنا بأيدينا ، و نكتشف الطرق غي غابات مهجورة ، ونمهد السبُلَ بين الصخور و الأدغال لنا و للآتيات بعدنا.

إفساح المجال علينا عسير. فنشكرُ للحليم تغاضيه عن القصور في عملنا و انتباهه لضآلةوراثتنا في عالم القلم- كما نشكر للناقد الكيّس ما يُبيّنه لنا من أغلاطٍ ناتجةٍ عن ضعف الفتاة و قلة اختبارها. و لكنهُ لا يجوز في شرع العدل و الحقيقة أن تُرمى جميع أعمالنا بالضعف النسائي و أن يطلق عليها الحكم بلا بحثٍ و مقارنةٍ. 

لقدغالى بعض المفكرين، لا سيما بعض الذين أقنعوا نفوسهم بأنهم مفكرون؛ لقد غالى هؤلاء فيفصل المرأة عن النوع الإنساني الذي كادوا يحصرونه في الرجل. و الواقع أن كل حميّةتهزُّ المرأة إنما تنطلق من النفس الإنسانية الشاملة، و كلّ نقص يشوبها إنما يرجعُ إلى العجز البشري الشائع ، و كلُّ أئرٍ من آثار ذكائها إنما هو وجهٌ من وجوه الفكرالإنساني العام. 



ويقرأ ولي الدين يكن السانحة الأولى، التي نشرتها مي ويتابع سوانحها الواحدة تلو الأخرى.. كان يعرف صاحبة هذه السوانح .. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها... كان يعرف صاحبة هذه السوانح.. وكان على اطلاع على ما أنتجه يراعها.. وذات يوم.. ويبدو أنه كان للتوّقد فرغ من قراءة سانحة من سوانح مي.. ويبدو أن إعجابه قد وصل إلى حد حمله إلى الكتابة لمي معبراً عن رأيه فيها.. وكتب:

"سيدتي.
وددت لو ألهمت من الكلام ما يسمو حتى ينتهي إليك في أوجك العالي – أنا حيران – أنظر فأرى فلاً باهراً وتصبو نفسي إلى تلك المحاسن. ثم يستوقفها عرفاني بعجزي. يا بيت القصيد في بدائع القدرة، ليهنأ بك العصر ولتفخر بك بنت إيزيس واوزريس.

لا أدري ما أصف : مجلسك الطيب أم صوتك الرخيم أم كلامك العذب أم فكرك المنير. أقل ما في هذه الملاحات يدق عن فهمي ويعيي عن الاحاطة به ادراكي.

كانت لي في دولة الشعر مكانة، واليوم أشهد الله إني أكاد أهوي من عليائها. أنت كالطبيعة في كل بدائعها ولكنها متقلبة وأنت ثابتة ولا أقرنك إلى من سلفك من سيدات الشرق ولا من جاوزتهن من سيدات الغرب ولا أقول أنت حمامة الدوح فتلك عجماء وأنت معربة ولكني أقول أنك بلبل الشعر الصادح في روض الحياة.

فصولك الغضة تعلو بالمدارك وتنير جوانب النفوس فلا تدعيها كالاوراق التي تحضر في الربيع وتذوي في 
الشتاء .. جمعيها جنية غضة وكللي بها رؤوس هذه الأعوام – الناس في حاجة إلى هذه الأنام الإلهية...

"ولي الدين يكن"



كان ذلك في 23 نيسان سنة 1912 ... وبعد عشر سنوات عملت مي باقتراح ولي الدين يكن فجمعت هذه الفصول ونشرتها لها دار الهلال سنة 1922 تحت عنوان "سوانح فتاة".


وهنا سوانح مي لمن يرغب بقراءتها


سوانح فتاة .. مي زيادة

Read more: http://www.traneeem.com/vb/t127282.html#ixzz46LpSNwxY


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق