الاثنين، 18 نوفمبر 2013

الثلاث المهلكااااات

الثلاث المُهلكات
********************
اختص الله نبيه ورسوله محمداً - صلى الله عليه وسلم - بخصائص كثيرة ، ومن هذه الخصائص أنه أُُوتي جوامع الكلم ، وفي لقائنا هذا نبقى مع حديث عظيم من جوامع كلمه - صلى الله عليه وسلم - ؛

فعن عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ( ثلاث مهلكات ، وثلاث منجيات ، وثلاث كفارات ، وثلاث درجات ؛؛؛
فأما المهلكات : فشح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه .
وأما المنجيات : فالعدل في الغضب والرضا ، والقصد في الفقر والغنى ، وخشية الله تعالى في السر والعلانية .
وأما الكفارات : فانتظار الصلاة بعد الصلاة ، وإسباغ الوضوء في السَبَرات ، ونقل الأقدام إلى الجماعات .
وأما الدرجات : فإطعام الطعام ، وإفشاء السلام ، والصلاة بالليل والناس نيام) .
رواه الطبراني في معجمه الأوسط ، وقال الألباني : "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم : 453

و قوله صلى الله عليه و سلم : (
ثلاث مُهلكات) أي مُوقعات لفاعلها في المهالك ؛ و حديثنا هنا عن الثلاث المُهلكات : ( شح مطاع ، وهوى متبع ، وإعجاب المرء بنفسه ، ) ...
اضغط هنا لتكبير الصوره

أولى هذه المُهلكات : ( شُح مُطاع )



والشُح : " هو شدة الحرص على الشيء ، والإحفاء في طلبه ، والاستقصاء في تحصيله وجشع النفس عليه ، والبُخل : منع إنفاقه بعد حصوله وحبّه وإمساكه ،فهو شحيح قبل حصوله، بخيل بعد حصوله ،فالبُخل ثمرة الشُح، والشُح يدعو إلى البُخل ،والشُح كامن في النفس ،فمن بخل فقد أطاع شُحه ، ومن لم يبخل فقد عصى شُحه ووُقي شره ، وذلك هو المُفلح ، قال الله تعالى : { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ } سورة الحشر(9) .
الوابل الصيب من الكلم الطيب ، صـ (49) الناشر : دار الكتاب العربي - بيروت .

وقد جاءت السنة النبوية بالتنفير من الشُح وذمه والتحذير منه ، فقد جاء في حديث عبد الله بن عمرو رضى الله عنهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إياكم والشُح ؛ فإنه أهلك من كان قبلكم ، أمرهم بالظلم فظلموا ، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا ، وأمرهم بالفجور ففجروا ) رواه أبو داود ،وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، رقم (1489 ) .

بل عد النبي - صلى الله عليه وسلم - الشُح من الكبائر المُهلكة ، فقد أخرج الإمام النسائي في سننه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " اجْتَنِبُوا السَّبْعَ الْمُوبِقَاتِ ، قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا هِيَ ؟ قَالَ : الشِّرْكُ بِاللَّهِ ، وَالشُّحُّ ، وَقَتْلُ النَّفْسِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ، وَأَكْلُ الرِّبَا ، وَأَكْلُ مَالِ الْيَتِيمِ ، وَالتَّوَلِّي يَوْمَ الزَّحْفِ ، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ " .
أيها المؤمنون : إن الشُح من شر الخلال التي يتصف بها الإنسان، فعن أبي هريرة - رضى الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : ( شر ما في رجل شح هالع ، وجبن خالع) ،،،رواه أبو داود ، وصححه الألباني في صحيح أبي داود ، رقم : 2192

ولذا كان هذا الخلق المُشين من الأخلاق التي تفشو في آخر الزمان ، لما جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( يتقارب الزمان ، وينقص العمل ، ويُلقى الشح ).قال ابن حجر- رحمه الله -عند قوله : ( ويُلقى الشح ) : " المُراد إلقاؤه في قلوب الناس على اختلاف أحوالهم ؛ حتى يبخل العالم بعلمه فيترك التعليم والفتوى ، ويبخل الصانع بصناعته حتى يترك تعليم غيره ، ويبخل الغني بماله حتى يهلك الفقير".
فتح الباري : 13/17.
  اضغط هنا لتكبير الصوره
و للحديث بقية بإذن الله تعالى - يتبـــــع :،،،

 
ثاني المُهلكات : ( هوى مُتبع )
اضغط هنا لتكبير الصوره

ثاني هذه الثلاث المهلكات : ( هوى ُمُتبع ) وتلك صفة أخرى ذميمة قد تضافرت على ذمها والتحذير منها نصوص الكتاب والسنة ، وما ضل من ضل عن سبيل الرشاد والهداية و أوغل في سبيل الضلال والغواية إلا وكان الهوى العامل الأساس في ذلك .
وقد حذرنا الله عز وجل من اتباع الهوى في آيات كثيرة من كتابه ؛ قال ابن عباس - رضي الله عنه - : " ما ذكر الله هوى في القرآن إلا ذمه " قال الله تعالى : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث } الأعراف176 ، وقال تعالى : { وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا } سورة الكهف(28)، وقال تعالى : {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءهُم بِغَيْرِ عِلْمٍ } سورة الروم(29) ، وقال تعالى : {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ } سورة القصص(50) ، وقال تعالى: { وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ } سورة ص(26) ، فالهوى قد يؤدي بصاحبه إلى النار ، كما قال الشعبي - رحمه الله -: " إنما سُمي الهوى هوى لأنه يهوي بصاحبه في النار " . الجامع لأحكام القرآن (16/144) للقرطبي .
و إن الهوى ليتمادى بصاحبه ويتمكن منه حتى يعسر عليه تركه ، فقد جاء في حديث معاوية في ذكر الفرق الضالة في هذه الأمة : ( وإنه سيخرج من أمتي أقوام تجارى بهم تلك الأهواء كما يتجارى الكَلَب بصاحبه ، لا يبقى منه عرق ولا مفصل إلا دخله
) أخرجه أبو داود ، وقال الألباني : "صحيح" كما في صحيح الجامع، رقم (2641).
بل إن الهوى قد يصل بصاحبه إلى أن يكون عبدًا له من دون الله ، قال تعالى :{ أَرَأَيْتَ مَنْ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ } سورة الفرقان(43) .
قال الحسن - رحمه الله- : " هو الذي لا يهوى شيئا إلا ركبه "،
وقال قتادة - رحمه الله - : " هو الذي كلما هوى شيئا ركبه ، وكلما اشتهى شيئا أتاه لا يحجزه عن ذلك ورع ولا تقوى ".جامع العلوم والحكم، صـ (210). الناشر : دار المعرفة – بيروت.

و جميع المعاصي والبدع إنما تنشأ من اتباع الهوى : كما يقول " ابن رجب الحنبلي - رحمه الله " : " فجميع المعاصي إنما تنشأ منتقديم هوى النفوس على محبة الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم - وقد وصف الله المشركين باتباع الهوى في مواضع من كتابه ، فقال تعالى : { فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِّنَ اللَّهِ} سورة القصص(50) ، وكذلك البدع إنما تنشأ من تقديم الهوى على الشرع ، ولهذا يسُمي أهلها " أهل الأهواء " جامع العلوم والحكم (389- 390 ).
ولذلك فإن الهوى من أخوف ما خافه النبي - صلى الله عليه وسلم - على أمته : فعن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : ( إنما أخشى عليكم شهوات الغي في بطونكم وفروجكم ، ومُضلات الهوى ) رواه أحمد والطبراني في معاجيمه الثلاثة وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم (52).
- قال علي - رضي الله عنه - : " إنَّ أخوف ما أتخوف عليكم اثنتان : طول الأمل ، واتباع الهوى ، فأما طول الأمل فينُسي الآخرة ، وأما اتباع الهوى فيصد عن الحق " البداية والنهاية (7/309)


وقال الشافعي - رحمه الله - : " لئن يلقى الله العبدُ بكل ذنب ما خلا الشرك خيرٌ له من أن يلقاه بشيءٍ من الأهواء " حلية الأولياء (9/111). الناشر : دار الكتاب العربي - بيروت .

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - : " وصاحب الهوى يعميه الهوى ويصمه ، فلا يستحضر ما لله ورسوله في ذلك ولا يطلبه ،ولا يرضى لرضا الله ورسوله ولا يغضب لغضب الله ورسوله ، بل يرضى إذا حصل ما يرضاه بهواه ، ويغضب إذا حصل ما يغضب له بهواه ". منهاج السنة النبوية ( 5/256 ). الناشر : مؤسسة قرطبة .

ولذلك كان من دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم - : ( اللهم إني أعوذ بك من مُنكرات الأخلاق والأعمال والأهواء ) رواه الترمذي والحاكم ، وصححه الألباني في صحيح الترمذي ، برقم (2840) .


لا نجاة من هلكة الهوى إلا بمُخالفته ، وسؤال الله الإعانة على ذلك ،
قال بعض العارفين : " إن شئت أخبرتك بدائك وإن شئت أخبرتك بدوائك ، داؤك هواك ، ودواؤك ترك هواك ومُخالفته " ،
وقال بشر الحافي - رحمه الله تعالى - : " البلاء كله في هواك ، والشفاء كله في مُخالفتك إياه " . روضة المحبين ، صـ (478). الناشر : دار الكتب العلمية – بيروت .

يقول الله تعالى : {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى } سورة النازعات (40) (41) .

اضغط هنا لتكبير الصوره
و للحديث بقية بإذن الله تعالى - يتبـــــع :،،،
 
ثالث المُهلكات : " إعجاب المرء بنفسه"

اضغط هنا لتكبير الصوره
ثالث هذه الخصال المُهلكة المذكورة في الحديث
: " إعجاب المرء بنفسه " .قال المناوي - رحمه الله - : " أي تحسين كل أحد نفسه على غيره وإن كان قبيحاً " .قال القرطبي : وإعجاب المرء بنفسه هو مُلاحظة لها بعين الكمال مع النسيان لنعمة الله ، والإعجاب وجدان شيء حسناً ، قال تعالى في قصة قارون : { قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي } سورة القصص (78) ، قال الله تعالى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ } سورة القصص (81) " فثمرة العُجب الهلاك "قال الغزالي - رحمه الله - : " ومن آفات العُجب أنه يُحجب عن التوفيق والتأييد من الله تعالى ، فإن المُعجب مخذول ، فإذا انقطع عن العبد التأييد والتوفيق فما أسرع ما يهلك ، قال عيسى - عليه الصلاة والسلام - : " يا معشر الحواريين كم سراج قد أطفأته الريح ؟ وكم عابد أفسده العُجب ؟ " فيض القدير(3/307) .

" وأشدّ أنواع العُجب ما كان ناشئاً عن العلم والفقه " ، قال تعالى : { أَفَمَن زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا } سورة فاطر(8) .قال مطرّف بن عبد الله : " لأن أبيت نائماً وأصبح نادماً , أحبّ إليّ من أن أبيت قائماً وأصبح مُعجباً " إحياء علوم الدين (3/370) .
وقال ابن مسعود - رضي الله عنه - : " الهلاك في اثتين : القُنوط ، والعُجب
" إحياء علوم الدين (3/369) .

وجاء في الحديث المُتفق عليه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ( بينما رجل يمشي في حُلة تعجبه نفسه ، مُرّجِلٌ رأسه - أي مشطه - يختال في مشيته إذ خسف الله به ، فهو يتجلجل - أي يغوص وينزل - في الأرض إلى يوم القيامة ) .وهذا ابن عمر- رضي ا
لله عنه - يرى رجلاً يختال في مشيته ويجر إزاره ، فقال : " إن للشيطان إخواناً "، ورأى رجل رجلاً آخر يختال في مشيته , فقال له : يا عبدالله , هذه مشية يبغضها الله ، فالتفت إليه الرجل ، وقال : ألا تعرفني ؟! قال : بلى , أعرفك ؛ أولك نطفة مذرة , وآخرك جيفة قذرة , وأنت بين ذلك تحمل الخرأة " . إحياء علوم الدين(3/340)
اضغط هنا لتكبير الصوره
وقد قال الشعراء شعراً في ذم العُجب وأهله ؛ يقول ابن عوف :عجبت من مُعجب بصورته *** وكان بالأمس نطفة قذرةوفي غد بعد حسن صورته *** يصير في اللحد جيفة قذرةوهـو على تيهه ونخوته *** ما بين ثوبيه يحمل العذرة
وقال آخر :
يا مظهر الكبر إعجاباً بصورته *** انظر خلالك فإن النتن تثريبلو فكّر الناس فيما في بطونهم *** ما استشعر الكبر شبان ولا شيبهل في ابن آدم مثل الرأس مكرمة *** وهو بخمس من الأقذار مضروبأنف يسيل وأذن ريحها سهك *** والعـين مرفضّة والثغر معلوبيا بن التراب ومأكول التراب غداً *** أقصر فإنك مأكول ومشروب
(
أدب الدنيا والدين (293) للماوردي. )

فالبعد البعد - عباد الله - من هذه الثلاث المُهلكات ، والله الله في التمسك بكتاب الله وسنة رسوله ، والتأدب بآداب الإسلام ، والتخلق بأخلاقه الحميدة ، والله نسأل أن يُطهر قلوبنا من هذه الخصال المُهلكة ، وأن يُعيننا على أنفسنا والشيطان ، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .

اضغط هنا لتكبير الصوره
أنتهى بحمـــــــد الله تعـــــــالى .















ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق