أوهام في الزيتون للشاعر الفلسطينية فدوى طوقان
في السفح الغربي من جبل
| |
(جرزيم) حيث تملأ مغارس الزيتون
| |
القلوب و العيون ، هناك ، ألفت
| |
القعود في أصل كل يوم عند زيتونة
| |
مباركة تحنو على نفسي ظلالها،و تمسح
| |
على رأسي غذ بات أغصانها : و طالما
| |
خيل الي أنها تبادلني الألفة و المحبة،
| |
فتحس أحساسي و تشعر بشعوري.
| |
و في ظلال هذه الزيتونة الشاعرة،
| |
كم حلمت أحلاماً ، و وهمت أوهاماً !.))
| |
هنا،هنا، في ظل زيتونتي | تحطّم الروح قيود الثرى |
و تخلد النفس الى عزلة | يخنق فيها الصمت لَغوَ الورى |
هنا، هنا، في ظل زيتونتي | في ضفة الوادي . يسفح الجبل |
أصغي الى الكون و لمّا تزل | آياته تروي حديث الأزل |
هنا يهتم القلب في عالم | تخلقه أحلامي المبهمه |
لأفقه في ناظري روعة | و للرؤى في مسمعي هيمنه |
عالم أشواق سماويةٍ | تطلق روحي في الرحاب الفساح |
خفيفةً لا الأرض تثنى لها | خطوا و لا الجسم يهيض الجناح |
واهاً : هنا يهفو على مجلسي | في عالم الأشواق روحٌ حبيب |
لم تره عيناي لكنني | أحسه مني قريباً قريب ! |
أكاد بالوهم أراه معي | يغمر قلبي بالحنان الدّ فيق |
يمضي به نحو سماء الهوى | على جناح من شعاع طليق |
زيتونتي ،الله كم هاجسٍ | أوحت به أشواقي الحائره. |
وكم خيالات وعى خاطري | تدري بها أغصانك الشاعرة |
نجيّتي أنت و قد عزّني | نجيُ روحي يا عروس الجبل |
دعي فؤادي يشتكي بثّه | لعل في النجوى شفاءً ، لعلّ ! |
يا ليت شعري أن مضت بي غداً | عنك يد الموت الى حفرتي |
تراك تنسين مقامي هنا | و أنت تحنين على مهجتي ؟! |
تراك تنسين فؤداً وعت | اسراره أغصانك الراحمات |
باركها الله ! فكم ناغمت | وهدهدت أشواقه الصارخات |
زيتونتي ، بالله إما هفت | نحوك بعدي النسمة الهائمة |
فاذ ّكري كم نفحتنا معاً | عطورها الغامرة الفاغمة |
و حين يستهويك طير الربى | بنغمةٍ ترعش منك الغصون |
فاذّ كري كم طائرٍ شاعرٍ | ألهمه شدودي شجّي اللحون! |
تذكّرني كلما شعشعت | أوراقك الخضراء شمس الأصيل |
فكم أصيل فيه شيعتها | بمهجة حرّى و طرف كليل |
إن يزوها المغرب عن عرشها | فالمشرق الزاهي بها يرجعُ |
لكنني ،آها !غداً تنزوي | شمس حياتي ثم لا تطلع ! |
ويحي؟ أتطويني الليالي غداً | وتحتويني داجيات القبور |
فأين تمضي خفقات الهوى | وأين تمضي خلجات الشعور |
ونور قلبي ،والرؤى والمنى | وهذه النار بأعماقيه |
هل تتلاشى بدداً كلها | كأنها ما ألهبت ذاتيه؟! |
أما لهذا القلب من رجعة | للوجد ،للشعر ، لوحي الخيال؟ |
ايخمد المشبوب من ناره؟ | واشقوة القلب بهذا المآل ! |
يا ربّ ، إما حان حين الردى | و انعتقت روحي من هيكلي |
و أعنقت نحوك مشتاقةً | تهفو الى ينبوعها الأول |
و بات هذا الجسم رهن الثرى | لقىًعلى أيدي البلى الجائرة |
فلتبعث القدرة من تربتي | زيتونة ملهمةً... شاعره !. |
جذورها تمتصّ من هيكلي | ولم يزل بعدُ طرياً رطيب |
تعبّ من قلبي أنواره | ومنه تستلهم سرّ اللهيب !. |
حتى إذا يا خالقي أفعمت | عناصري أعصابها و الجذور |
انتفضت تهتز أوراقها | من وقدة الحسّ و وهج الشعور |
و أفرعت غيناء فينانة | مما تروّت من رحيق الحياة |
نشوى بهذا البعث ما تأتلي | تذكر حلماً قد تلاشت روءاه |
حلم حياة سربت و انطوت | طفّاحة بالوهم .. بالنشوة |
لم تك إلاّ نغماً شاجياً | على رباب الشوق و الصبوة! |
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق